ARTICLE IN AL BAYAN NEWSPAPER UAE
2005-08-24 09:44:37
UAE
«مافيا تجارية»
وراء تفاقم مشكلة ملف
الدواء في لبنان
شهدت
الساحة اللبنانية خلال
الفترة الأخيرة جدلاً
كبيراً حول
ملف الدواء. ويقول مراقبون
إن الملف تحول إلى فضيحة
صنعها لوبي
سياسي ـ تجاري يضم مجموعة
من الرأسماليين والإداريين
ذوي المصالح
والمنافع الشخصية. وتكمن
خطورة الملف في أن اللبنانيين
ينفقون 5.
21% سنوياً على الدواء من
إجمالي إنفاقهم على الصحة،
وهو ما يشكل
عبئاً ثقيلاً على الفقراء
الذين لا يستطيعون حتى
تأمين لقمة
عيشهم.
فهناك 17% من الأسر اللبنانية
تضم أفراداً مصابين بأمراض
مزمنة
يحتاجون بشكل دائم إلى
أدوية ذات كلفة باهظة
الثمن. ويقول
المراقبون إن فوضى عارمة
تنتشر في سوق الدواء،
لأسباب عديدة منها
تفشي الفساد بين الأطراف
المتحكمة بهذا السوق،
إضافة إلى غياب
أنظمة ضبط الأسعار وعدم
وجود هيئة مراقبة على
استيراد الأدوية من
الخارج، والترويج المفرط
لأصناف مزورة من الأدوية،
ناهيك عن
الأدوية المنتهية الصلاحية.
وفي ظل انتشار العوامل
المشجعة للفوضى في هذا
السوق يأتي العنوان
الأكبر وهو عدم وجود سياسة
وطنية صحية مسؤولة تحاسب
وتعاقب، وهو
أمر يعزوه النائب إسماعيل
سكرية عضو اللجنة الصحية
في مجلس
النواب إلى التعاطي مع
الدواء كسلعة تجارية
بالدرجة الأولى، ولأن
سوق
الدواء ينطبق عليه بالفعل
كل من العرض والطلب والمنافسة
والشراسة
في الأسعار وكل الأساليب
لكسب أكبر ربح في أسرع
وقت ممكن، ما أدى إلى تضخم
في عدد الأدوية
المشبوهة الفعالية إذ
لا يوجد مختبر للرقابة
عليها، وهي تتنوع ما
بين الأدوية المزورة
والأدوية المسحوبة من
الأسواق العالمية التي
لا
تزال تضخ إلى السوق اللبناني
وعددها أكثر من 400 صنف،
بالإضافة إلى الأدوية
التي يكون غلافها جديدا
في حين أن صلاحيتها
ممدّدة، والأدوية التي
تحمل عبارة «صنع في فرنسا»
بينما الحقيقة هي أن فرنسا
لا تعلم بأمرها أو ربما
يكون قد ألغي
تصنيعها منذ ثلاثين عاماً،
وقد تخطى عدد هذا النوع
الـ 200 صنف
في الشهر الماضي.ويكشف
سكرية عن الكارثة الأكبر
في هذا الملف وهي
سوء تخزين الدواء «إذ قلما
تُطرح هذه الإشكالية،
وعليه تبقى الأدوية مخزنة
لأيام طويلة في المطار
أو في المرفأ
على درجة حرارة مرتفعة،
ما يجعل الأدوية عرضة
للتلف، لذا فإن
أكثر من نصف كمية الأدوية
المتواجدة في السوق مشبوهة
الفعالية
ومقلقة جدا، ما يؤدي إلى
تفاعلات تراكمية تؤثر
على صحة
المواطنين».
وكان سكرية أطلق مصطلح
مرض «الويك أند» «وهو الذي
يدل على فظاعة
الأخطاء التي ترتكب من
أجل كسب الأرباح، حيث
تدخل إلى الكثير من
المستشفيات إخراجات قيد
مزورة أو وهمية لا وجود
لها في الواقع،
كما تنجز هذه المستشفيات
ملفات وهمية أو تظهر أسماء
مرضى وهميين
لتحقيق مصالح شخصية وعلى
سبيل المثال فقد تبيّن
في محافظة البقاع
أن من أصل عشرة آلاف حالة
مرضية يوجد سبعة آلاف
منها عبارة عن
مرضى وهميين».
ومن المشاكل التي يعانيها
سوق الدواء في لبنان هو
صرف الدواء
للمريض من دون وصفة من
قبل الطبيب، ويقول سكرية
: «لا تزال نسبة
60 إلى 70% من الأدوية تصرف
من قبل الصيدلي إلى المريض
من دون
وصفة طبية وهذه مشكلة
كبيرة، حيث أصبح الصيدلي
يمثل الطبيب
بالنسبة للمرضى وهذا
يعود إلى الثقافة الصحية
الضعيفة لدى
المواطنين بالإضافة إلى
التوفير الاقتصادي».
واللافت هنا ان لبنان
لا يعتمد على أدوية «الجنيريك»،
أي المواد
الخام التي يُركّب منها
الدواء الفعلي، ففي الوقت
الذي تعتبر فيه
هذه الأدوية الخيار الاقتصادي
الأنسب في الدول المتقدمة
إذ تعتمد
الولايات المتحدة الأميركية
عليها بنسبة 40%، والدانمارك
30%،
إلا
أن لبنان لا يستخدمها
إلا بنسبة ضئيلة قد تصل
كحد أقصى إلى
10%،
ويرى بعض المصادر ان السبب
يعود إلى العرقلة التي
تُحدثها وزارة
الصحة لاستيراد أدوية
الجنيريك بحجة عدم وجود
رقابة للتأكد من
فعاليتها باعتبارها غير
أصلية، كما أن الشركات
لا تستورد إلا
الأدوية ذات الماركات
الباهظة الثمن لتحقيق
أعلى مستوى من الربح،
والأطباء
والصيادلة يتواطؤون بدورهم
مع هذه الشركات للكسب
المادي
أيضاً.
ولا يوجد في لبنان هيئة
رقابة فعلية على سوق الدواء
وإنما هناك
لجنة فنية في وزارة الصحة
تتحقق من الأوراق الإدارية
الثبوتية،
وهنا تتدخل المصالح سواء
كانت مصلحة الصيدلي أو
المختبر الذي
يراقب علمياً. وفي هذا
الصدد يقول سكرية إن عمل
اللجنة يصبح
حينها عبارة عن خط عسكري،
فالبعض من أعضاء اللجنة
إما يكون صاحب
مستشفى، وإما طبيباً
وصاحب مستشفى إلى جانب
عضويته في اللجنة،
ما يؤدي إلى تدخل المصالح
والمنفعة الشخصية وبالتالي
إلى عرقلة
عمل اللجنة وإرباكها
في القيام بدورها الرئيسي
والمتكامل، ولعل
المؤشر الأكبر على انتشار
الفوضى هو وجود ثلثي الأدوية
في السوق
المحلية اللبنانية لا
حاجة طبية لها، لا سيما
أن عدد أصناف
الأدوية المسجلة في لبنان
يتجاوز 5آلاف صنف، يتم
تداول أكثر من
3آلاف من هذه الأدوية،
مقابل 1500 صنف فقط متداول
في أسواق الدول
العربية.
كل هذه الفوضى تحصل
بحجة الاقتصاد الحر،
لكن في الوقت الذي يكون
للاقتصاد
الحر في الدول الأخرى
ضمانات، فإنه يقتصر في
لبنان على
المبادرات الفردية حتى
يفتقد إلى الصدقية والضمان.
كما يفتقر
لبنان لنظام تسعير جدي
وواضح، وكشفت سكرية ان
كل ما يحدث هو أن
الدواء يصل إلى وزارة
الصحة ويسجل فوراً بسعر
مرتفع،
وذلك بمبادرة من قبل المستورد
والإدارة المتواطئة معه،
ما يؤكد
وجود مافيا كبيرة تضم
عدداً من التجار إلى جانب
عدد من أعضاء
الإدارة الذين يمسكون
بمفاصل سير الدواء مع
تغطيات سياسية قوية
تشكل مافيات مخيفة وأحياناً
تكون طائفية، وهذا هو
أصل المشكلة إذ
إن الملف مركب بمعادلة
خاطئة أدت الى فشل كل التجارب
السابقة مند
أيام وزير الصحة السابق
اميل بيطار،
حيث تم إنشاء المكتب الوطني
للدواء ليتولى مهمة استيراد
الأصناف
الضرورية والأكثر استخداماً
من الأدوية. ولا تزال الأمور
على
حالها إذ بلغت فاتورة
الدواء العام الماضي
615 مليون دولار، وقد
أنفقت الملايين منها
في استعمال النفوذ، كل
ذلك يدل على انه ملف
كبير يحمل في طياته فساداً
مرعباً.
وفي إطار الجهود المبذولة
للحد من هذه الظاهرة وضع
وزير الصحة
الحالي محمد جواد خليفة
آلية لخفض سعر الدواء
في لبنان وإعادة
النظر في أسعار الأدوية
المتداولة في السوق،
وأكد في أكثر من مرة
«أن هناك الكثير ممن يحاول
الدفاع عن امتيازاته
وبعض الأمور التي
تؤمن له المزيد من المكاسب،
لكن في مجمل الأحوال تم
كسر الطوق الذي كان مفروضاً
في السابق،
وليس هناك من مثاليات
إذ بدت الأمور أكثر ايجابية
والدليل على
ذلك هو وجود ما يقارب ال300
صنف من الأدوية في السوق
بأسعار
مخفضة، وهي من الأدوية
الأساسية التي يستخدمها
المواطنون بشكل
دائم.
وتعتمد آلية خليفة على
قانون الانخفاض التدريجي
لسعر الدواء
بحدود 25 % بشكل عام، إذ تُسجّل
التسعيرة وفقاً للسعر
المتداول
في دول الجوار كما يؤخذ
في الحسبان سعر الدواء
في بلد المنشأ
وسعر الشحن وتخليص البضائع،
معتبراً أن المهم في الأمر
هو تنظيم
آلية التسعير وتوفير
الأدوية ذات النوعية
الجيدة إلى جانب السعر
المعقول.
وسيبدأ التطبيق الفعلي
لهذه الآلية في حد أقصاه
العشرون
من سبتمبر المقبل.
أما بالنسبة للحلول فيرى
سكرية أنها لا تكون على
صعيد شخص وإنما
تحتاج إلى حلف كبير يتصدى
للمافيا المتحكمة بهذا
السوق، لكن هذا
لا يلغي المطروحات التي
لا تزال موجودة ونذكر
منها ما قدمه احد
المستوردين، وهو إصرار
وزارة الصحة في لبنان
على طلب إفادة من
وزارة الصحة في بلد المنشأ
عن سعر الدواء ونوعيته
مما يمكنها من
تسعير الدواء بطريقة
مشروعة،
لكن الخطر الأكبر في هذا
الأمر قد يكون من شهادة
بلد المنشأ التي
تشهد أيضاً وجود مافيات
فيها، والتاجر يربح بشطارته.
والمعروف أن
لبنان لا يُصنّع إلا نسبة
قليلة جداًّ من الأدوية
تصل إلى نحو
7%، وهناك شركة واحدة حققت
تقدماً ملموساً في هذا
المجال من
ناحية النوعية، في حين
يغيب هذا الأمر في باقي
الشركات.
بيروت ـ إيمان عجينة